الحذاء الذي دخل التاريخ
د.عصام عدوان
سجّل التاريخ فجراً جديداً بزغ على الأمة العربية والإسلامية؛ ذلك هو فجر حادث الحذاء في 14/12/2008م، بعد أن قام المناضل العراقي الهُمام: المنتظر الزيدي، برجم الرئيس الأمريكي الذي قاد الحرب على العراق، بحذائه، على مسمع ومرأى العالم، في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثالاً: أن يُهان رئيس دولة عُظمى؛ بل أعظم دولة في التاريخ المعاصر، بمثل هذه الإهانة الشنيعة. لقد بدت على (بوش) بلاهته المعهودة، وهو لا يدري أن قتله أفضل وأكرم للولايات المتحدة الأمريكية من أن يُهان بهذه الطريقة.
وحتى نضع هذا الحدث في موضعه المناسب من التاريخ، نقول: إن مثل هذا الحدث لو أصاب سفير دولة ما لقُطعت العلاقة بين الدولتين، فللقارئ أن يتخيل لو أن سفير مصر أُهين هذه الإهانة في ليبيا مثلاً، ماذا سيحصل!!!. لقد قام موظف في مطار إحدى الدول العربية الخليجية بإلقاء جواز سفر مواطن أمريكي من أصل عربي على الأرض متعمداً ومستخفاً به، مما استدعى أن تتدخل وزارة الخارجية الأمريكية لدى مثيلتها العربية لإعلان الاعتذار!! بل إن والي الجزائر العثماني عندما ضرب سفير فرنسا بمروحته في 29/4/1827م فيما سُمي بحادث المروحة فقررت وقتها فرنسا احتلال الجزائر.
إن إهانة الولايات المتحدة الأمريكية غير مسبوقة بهذا الحدث الجلل، وهي تفوق في أبعادها إهانة الرئيس الأمريكي شخصياً، وفي هذا الحدث معاني كثيرة لا بد من الوقوف على بعضها:
- كان الحذاء خير وسيلة وداع لمجرم حرب يترأس الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء تبختره في ميدان جريمته للمرة الأخيرة.
- أبدع الشعب العراقي في أساليب مقاومته ضد الاحتلال الأمريكي، وكان من هذه الأساليب وآخرها: الضرب بالحذاء على رأس بوش الصغير.
- أظهر المنتظر الزيدي مدى رفض الشعب العراقي للاتفاقية الأمنية التي توقعها الحكومة العراقية تحت الاحتلال مع الولايات المتحدة.
- إن الولايات المتحدة – في عهد المجرم بوش – التي أهانت رجال العراق في مشاهد التعرية اللاإنسانية، كان حقاً أن تحصد ما زرعت وأن يُهان رئيسها بحذاء عراقي بطل.
- لقد استُخدم الحذاء في إعلان رفض ومقاومة الشعب الفلسطيني لمجرم الحرب شارون وهو يدنس ساحات المسجد الأقصى معلنة انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى ، كما هبّ المصلّون في المسجد العُمري الكبير في مدينة غزة عام 1994م برمي أحذيتهم تجاه ياسر عرفات وهو يدخل المسجد للصلاة على جنازة مَن قتلتهم شرطته من مصلّي مسجد فلسطين فيما سُمي آنذاك بمجزرة مسجد فلسطين. لكن المنتظر الزيدي هو الأول الذي أصاب بحذائه رأس أكبر دولة عظمى في التاريخ المعاصر.
- ربما تشهد الأيام والشهور القادمة أحذية أخرى تتطاير تجاه "زعماء" آخرين في العالم في عدوى سليمة تنفِّس بها الشعوب المكبوتة عما أصابها على أيدي الطواغيت.
- أظهر حاث الحذاء أن الولايات المتحدة الأمريكية قد سقطت هيبتها، ولم تعُد مرهوبة الجانب، وساء وجهها، وهذا أول السقوط والهزيمة، كما قال الله تعالى: (...فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء 7)